23
وانضباطها ككيان روحي فكري أخلاقي عبادي متميز .
اذن فمناسك الحج لها أثر واضح ومغزىٰ أوضح في التفاعل الروحي والأخلاقي وسمو النفس وتحليقها نحو بارئها . وكلما كانت نية الحاج أصدق وأصفىٰ في الحج كان لهذا المغزىٰ أكثر فاعلية وأشد وقعاً علىٰ بقية آثار الحج ومغازيه حيث إنه - هذا المغزىٰ - يتفاعل تفاعلاً طردياً مع قوة إيمان الفرد ونيته .
فالروح تسمو حال الطواف وحال السعي وعند الوقوف بعرفات والإفاضة الى المشعر الحرام وباللباس الأبيض المتواضع ، تسمو وتحلق وكأنها ترىٰ بأمّ عينيها يوم يخرج الناس كالفراش المبثوث والعهن المنفوش ينتظرون رحمة اللّٰه وغفرانه . .
المغزى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي
والحج يولد شعوراً لدى الفرد الحاج المندمج في الجماعة التي تؤدي ما يؤدي هو نفسه من المناسك والأفعال ، يولد في نفسه أن إنساناً اجتماعياً خُلق ليتفاعل مع نظائره من المخلوقات لا منعزلاً عنهم ولا منزوياً بل هو مندمج معهم شاءَ أو أبىٰ .
فمناسك الحج تضيّق الفوارق الطبقية والعرقية وغيرها التي وضعها الإنسان بين بني الإنسان ، فالحج يسقطها جميعاً في مواقف ومناسك كثيرة ، فالكلّ مكلّفون بتطبيق المناسك المفروضة ، وهذا دون شك يؤدي إلى تفاعل اجتماعي بين الفقراء والأغنياء ، وبين الحكّام والمحكومين ، وتجمعهم في مكانٍ واحد بزي بسيط متواضع واحد بنداء واحد بزمان واحد بنية واحدة وهدف واحد ، على الرغم من اختلاف درجات ثرواتهم وقواهم ومنازلهم الاجتماعية ومناصبهم السياسية وغيرها . .
وهذا التنظيم الإلهي يستحق تأملاً دقيقاً في أهدافه ومغزاه . . والمغزى الاجتماعي للحج يأتي بالدرجة الثانية بعد المغزى الروحي إذا ما قلنا : إنه المغزى