19
ألا ترون - أقلّ الله خيرهم -
واشتدّ البلاء من قريش على من قدم من مهاجري الحبشة وغيرهم، وسطت بهم عشائرهم، ولقوا منها تعنيفاً شديداً، وصعب عليها ما بلغها عن النجاشي من حسن جواره لهم، فأذن لهم رسول الله بالخروج مرّةً ثانية إلى أرض الحبشة.
وهل خرج معهم عثمان بن مظعون؟
صرّح بهجرته - مرّة ثانية - إلى أرض الحبشة ابن سعد بالاعتماد على رواية محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر، والنووي. 2
وفيه نظر، لأن الذين هاجروا الهجرة الأولى رجعوا إلى مكة قبل الهجرة النبوية، والذين هاجروا الهجرة الثانية رجعوا عام خيبر، أي بعد وفاة عثمان بن مظعون الّذي اشترك في حرب بدر، وهي قبل خيبر. ولعل منشأ الاشتباه تصريح البعض بمهاجرة عثمان الهجرتين 3، فحملوه على الأولى والثانية للحبشة، والظاهر أنّ الأولى إلى الحبشة، والثانية إلى المدينة.
وصرّح ابن الأثير الجزري: أنّ عثمان بن مظعون هاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرةَ الأولى مع جماعة من المسلمين، وذكر كيفية رجوعه وما جرى له مع لبيد وقال: ثمّ هاجر عثمان إلى المدينة وشهد بدراً. 4
وقال البعض: قد ذكر في هذه الهجرة الثانية جماعة ممّن شهد بدراً، فإمّا أن يكون هذا وهماً، وإمّا أن يكون لهم قدمة أخرى قبل بدر، فتكون لهم ثلاث قدمات: قدمة قبل الهجرة، وقدمة قبل بدر، وقدمة عام خيبر، ولذلك قال ابن سعد وغيره: إنهم لمّا سمعوا