46وللقرآن نظرة خاصّة للاستضعاف والمستضعفين، حيث يستثني من اللوم أُولئك الذين لم يستطيعوا إيجاد السبيل للخلاص والانعتاق من جور المستكبرين. وفي حين يلوم في القيامة مَن لم يهاجروا في أرض الله الواسعة، يحصر الاستثناء في فئة منهم، حيث يقول: (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَ النِّسٰاءِ وَ الْوِلْدٰانِ لاٰ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لاٰ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) 1.
«إنَّ مرجع استضعاف هؤلاء هواستكبار المتكبّرين وطغيان الطواغيت، فلم يخاطب القرآن عامّة المستضعفين، إِنَّما يخصّ الذين لم يستطيعوا الهجرة، ولم يقدروا على إظهار دينهم» 2.
إنّه واقع تعدَّدت الآيات بشأنه، كما جاء في قصّة موسى(ع)، إذ يبيِّن القرآن الكريم ظروف الناس القاسية تحت وطأة الحكم الفرعوني، فيقول: (فَمٰا آمَنَ لِمُوسىٰ إِلاّٰ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلىٰ خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَ إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعٰالٍ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ) 3. أجل، فقد آمنت شرذمة قليلة من المستضعفين بخوفٍ وحذر، ولم تؤمن غالبيّتهم؛ لشدَّة التعسُّف والظلم الذي كانوا يتعرَّضون له من قِبل السلطة الاستكبارية الفرعونية.
وفي عصر انبثاق الدعوة الإسلامية كان الناس مغلوبين على أمرهم من قِبل الأسياد من أصحاب السلطة والمال، ويعبدون ما لم يتصوّروا بطلانه، حتّى كشف النبي(ص) عن زيف تلك المعتقدات والعلاقات الاجتماعية، وأعلن عدم شرعية الفوارق الطبقية التي يروِّج لها المستكبرون، ومساواة كافّة الشرائح الاجتماعية.