44لم يُتح لها المجال لانتهاج طريق الحق. فلوعُرض عليها الحق، أوأزيحت السلطة الاستكبارية؛ تواضعت له وتقبَّلته برحابة صدر. إنَّ هذه الفئات تُشكِّل غالبية المجتمعات المشركة التي تُستضعَف من قِبل المستكبرين.
ثانياً: هناك جماعة أُخرى من الكفّار لم تُصرّ على عنادها وتندم من فعلها وتتوب بعد فترة.
وثالثاً وأخيراً: فئة لها عهود ومواثيق مع المسلمين.
إنَّ البراءة من المشركين لم تشمل الفئات الثلاث هذه، ولم يشاهد من المصطفى(ص) أن بادر بفعل إزاء أئمّة الكفر قبل الإعلان عن برائته وبراءة الله من فعلهم، والآيات الواردة في استثناء الفئات الثلاث تفنّد بشدّة المزاعم بشأن تحرّش الإسلام وقادته بهم ومحاربتهم؛ ففي سورة التوبة، بعد إعلانه البراءة من أُولئك المشركين الذين نقضوا عهدهم، يستثني سبحانه وتعالى فئة منهم حافظوا على عهودهم مع المسلمين، كما يأمر المسلمين بإتمام العهد إليهم. يقول جلّ وعلا: (إِلاَّ الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَ لَمْ يُظٰاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) 1.
وهكذا يستثني التائبين الذين احتضنوا الإسلام بعد ما أمر بمحاربة المشركين عند انتهاء الأشهر الحرم، حيث يقول: (فَإِنْ تٰابُوا وَ أَقٰامُوا الصَّلاٰةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ فَإِخْوٰانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ نُفَصِّلُ الْآيٰاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) . 2 وعلى المسلمين بأن يجسِّدوا هذا الغفران والرحمة الإلهية ويقبلوا توبة هؤلاء ويخلّوا سبيلهم.