49
تمهيد
من المهمّ قبل الدخول في شرح مضامين الصلح، أن نذكر أمراً في غاية الأهمية، وهو أنَّ الصلح جاء طلباً من معاوية، وقد أبرز الإمام هذه الحقيقة في الخطاب الذي ألقاه في المدائن، قائلاً:
ألا وإنَّ معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه، وحاكمناه إلى الله عزوجل بِظُبا السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه، وأخذنا لكم الرضا. 1
والإمام بمقتضى الظروف - التي تقدّم الكلام عنها - لم يكن أمامه إلَّا الصلح، وأن يُلبِّي طلب معاوية، ولكنّه لم يلبّه إلَّا ليُركسه في شروط، لايسع رجلاً كمعاوية إلّا أن يجهر في غده القريب بنقضها شرطاً شرطاً، ثُمَّ لا يسع الناس إلَّا أن يجاهروه السخط والإنكار، فإذا بالصلح نواة السخط الممتد مع الأجيال، ليكون نواةً للثورات التي تعاونت على تصفية السيطرة الاغتصابية في التأريخ. 2 وهذا ما يرومه الإمام(ع) بهذه الشروط، ليضع معاوية أمام امتحان وتأريخ سوف يحاسبه ويفضحه على مرِّ الأجيال.